النشرةتقاريرمقدسات وآثار

هدم أضرحة أئمة البقيع(ع).. جريمة القرن التي ارتكبها آل سعود

هناك في الجنوب الشرقي للمدينة المنورة وعلى مقربةٍ من ضريح رسول الله محمد(ص) تحطُّ ملائكة الرحمن عند كلّ مغيب حاملةً معها سلام المؤمنين لأنوار الله الأربعة وأولياء دينه، هم الإمام الحسن المجتبى بن علي(ع)، الإمام علي زين العابدين بن الحسين(ع)، الإمام محمد الباقر بن علي(ع) والإمام جعفر الصادق بن محمد(ع)، الذين يرقدون في أرضٍ تُدعى بقيع الغرقد إلى جانب بعض أصحاب الرسول الأجلّاء أمثال الصحابي أسعد بن زرارة الأنصاري والصحابي الجليل عثمان بن مظعون بالإضافة لعدد من شهداء الإسلام وزوجات النبي(ص) وأقربائه.

زينب فرحات – خاص مرآة الجزيرة

تكرّرت عملية هدم أضرحة آل بيت رسول الله(ص) لمرّتين، الأولى عام 1805م – 1220ه، عندما دخل الوهابيّون إلى المدينة المنوّرة بعد حصار طال سنة ونصف، أما الثانية فكانت عام 1344هـ – 1925م، على أيدي الوهابيين أيضاً الذين دخلوا بلاد الحجاز وعاثوا فيها فساداً لا تزال آثاره قائمة حتى يومنا هذا، لا في الجزيرة العربية فحسب إنما في عموم العالم الإسلامي الذي يتكبّد الويلات والدمار والخراب بسبب أفكار الوهابية السوداء والمتطرّفة.

تحالف الشر

بداية الخراب الوهابي، كانت في عام 1158ه – 1745م عندما اتفق كلّ من الأمير محمّد بن سعود(أمير الدرعيّة آنذاك) والشيخ محمّد بن عبدالوهّاب على العمل معاً لنشر الدعوة الوهّابيّة، بحيث تكون السلطة السياسيّة للأول والدينيّة للثاني. بعد ذلك خلف محمد بن سعود ابنه عبد العزيز الّذي توسّع في الحكم فاحتلّ عدداً من المناطق المجاورة حتى قام بغزو جنوب العراق ودخل جيشه إلى مدينة كربلاء المقدسة في 20 نيسان 1216ه – 1801م فعاث فيها فساداً، حيث هدم جانباً من مشهد سيِّد الشهداء الإمام الحسين(ع) ونهب محتوياته.

أضرحة أئمة البقيع قبل الهدم

التدمير الأول للأضرحة

عام 1209ه – 1794م قام سعود بن عبد العزيز بتجهيز جيش كبير وهجم على‏ المناطق الحجازيّة المتاخمة لنَجد، وقد استطاع تحقيق مقدار من النجاح، ثم قام بهجومه على مكّة عام 1218ه – 1802م ودخلها ليعمد مباشرةً إلى هدم قببها ومآثر الصالحين بما في ذلك المساجد وقبة مولد النبي(ص) وقبة مولد الإمام علي(ع) وقبة السيدة خديجة(ع).

ولمّا أتى سعود بن عبد العزيز إلى المدينة المنورة، يقول المؤرخ الوهابي ابن بشر في (عنوان المجد في تاريخ نجد)، أنه في عام 1220ه- 1805، “أرسل إلى أهلها بدخوله، فأبوا وامتنعوا من ذلك، فحمل عليهم كراراً حتّى دخلها بعد وصوله بخمسة وعشرين يوماً، فقتل منها بعض النّاس حيث سمّى أهلها الناكثين، لذلك استباح دمهم حتّى بعد الحرب، فدخل مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وزاره، ولبث فيها عشرة أيام لم يحرّك منها ساكناً”.

ثم يضيف: “ويوم الحادي عشر، جاء هو وبعض أولاده ومن يعزّ عليه، فطلب الخدم السودان الّذين يخدمون حرم النّبيّ، فقال: أريد منكم الدّلالة على خزائن النّبيّ، فقالوا بأجمعهم.. نحن لا نولّيك عليها، ولا نسلّطك، فأمر بضربهم وحبسهم، حتّى اضطرّوا إلى الإجابة، فدلّوه على بعض من ذلك فأخذ كلّ ما فيها، وكان فيها من النقود ما لا يُحصى، وفيها تاج كسرى أنوشروان، الذي حصل عليه المسلمون لمّا فُتحت المدائن… وفيها تحف ثمينة من جملة ما أرسله سلاطين الهند بحضرته، صلّى الله عليه وآله، تزييناً لقبّته صلّى الله عليه وآله. وأخذ قناديل الذهب، وجواهر عديدة، ثمّ إنّه رتّب في المدينة رجلاً من آل سعود، وخرج إلى البقيع يريد نجداً، فأمر بتهديم كلّ قبّة كانت في البقيع، وتلك القبب: قبّة الزهراء فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها [بيت الأحزان]، وقبّة الحسن بن عليّ رضي الله عنه، وقبّة عليّ بن الحسين رضي الله عنه، وقبة محمّد الباقر، وقبّة جعفر الصادق”.

أضرحة أئمة البقيع بعد الهدم

غضب المسلمين

على إثرها، ثار المسلمون في مختلف بقاع الأرض رفضاً للأفاعيل الشنيعة التي ارتكبها السعوديون في المدينة المنورة، من تهديم الآثار الإسلامية وإهانة الأولياء والصالحين فيها، وقد ارتفعت صيحات المطالبات الشعبية بتحرير الأماكن المقدسة من القيود السعودية وإعادة الهيبة إليها، الأمر الذي شجّع الدولة العثمانية على دخول بلاد الحجاز فما كان منها إلا أن طلبت من واليها على مصر محمد علي باشا بالبدء في الاستعداد لاستعادة السيطرة علی الحجاز عام 1222ه – 1807م وبالفعل جرى إعادة بناء الآثار الإسلامية بعد استعادة البلاد من قبل العثمانيين وذلك بأموال المتبرعين من مختلف دول العالم الإسلامي.

التدمير الثاني للأضرحة

في مطلع عشرينيّات القرن الماضي، أي بعد حوالي مائة وعشرين سنة من الإحتلال الوهّابيّ الأوّل للمدينة المنوّرة، وعلى إثر رفض الشريف حسين(حاكم الحجاز)، للمطالب البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، جرى عزله عن الحكم، ليتم السماح إلى آل سعود بغزو الحجاز حتى راحت الحواضر الحجازية تسقط الواحدة بعد الأخرى نتيجة المجازر التي ارتكبها الوهابيون لإخضاع أهلها، وبالتالي سقطت المدينة المنورة على أيدي القوات السعودية عام 1344ه – 1925، بعد واقع مأساوي من الحصار والتنكيل الشديد بالأهالي يصفه الرحّالة “المستر رتز” بالقول: “كانت النتيجة التي أدّى إليها الحصار الكريه هذا أن قلَّ عددُ السكّان فيها إلى ستّة آلاف نسمة فقط، مع أنّ هؤلاء السكّان كان عددهم قد وصل إلى سبعين أو ثمانين ألف نسمة من قبل”.

في 8 شوال 1344ه – 1805م، وبعد تمهيدٍ مبغض من قبل قاضي قضاة الوهّابيّين(الشيخ عبدالله بن بليهد) الذي أفتى أمام جمع من علماء المدينة “بتحريم زيارة القبور وأنّها بدعة في الدين وشرك بالله، وأنّه يلزم تحصيل الاتّفاق من جميع علماء المذاهب الأربعة على تخريبها تماماً ومحو آخر أثر من آثارها على وجه الأرض”، حشد الوهابيون كيدهم على محمد(ص) وآل بيته الأطهار، ثم حملوا على جنّة البقيع وراحوا يهدمون الأضرحة والقباب الشريفة حتى لم يبقَ بناء على حاله إلا وجرى تسويته على الأرض، بما في ذلك هدم مقامات وأضرحة أئمتنا الأربعة(الحسن المجتبى، علي السجاد، محمد الباقر، جعفر الصادق عليهم أفضل السلام) فضلاً عن نهب جند الوهابية لمحتويات البنايات المقدسة في البقيع من الفرش والستائر والمعلقات والسرج، وغيرها، ومنذ ذلك الحين لا يزال محبي آل البيت(ع) محرومين من الإقتراب من تلك الأضرحة الشريفة وزيارتها.

الوهابية وهدم الحضارات

ما أشبه اليوم بالأمس، وما أقرب تجليّات الذهنية الوهابية التي نشهدها في عصرنا الحالي في مختلف دول العالم بتلك التي سادت منذ قرون، الذهنية الإقصائية التي لا تستوعب أي اختلاف، القائمة على مبدأ تدمير الآخر، هدم الحضارات، إعاثة الفساد وهدر الدماء. يزعمون أنهم يطلبون الإصلاح بدين الله! أيُّ إصلاح هذا الذي يعمّه الإجرام والفوضى، ويسوده انتهاك حدود الله وقتل الأنفس المحرمة! أي إصلاح بإسم الدين فينحر صلبه! ويحلّل ما حرّم الله! بأي حق تقيمون القصاص على الناس بما لا يهوى لكم أنتم الذين تسمون أنفسكم بأسود الشريعة، ما شأنكم وشأن عباد الله! تبت أيديكم بما ارتكبت وقتلت وسلبت.

لم يكن غريباً أبداً ما شهده العالم من هدم التنظيمات الإرهابية للحضارات العربية والإنسانية في العراق وسوريا، حينما طفح هذا الوباء المعدي فجأة على السطح بعد أن كان عبارة عن سوسة تفتك بشباب المسلمين وتمرّنهم على الحقد والكراهية، فاجتاحوا العالم الإسلامي على حين غفلة، ليكفّروا جميع الأديان والمذاهب، إلا أن يد الخير لا ولن تكف عن مقارعة الباطل، هم يدمرون ونحن نبني، هم يقتلون ونحن نحيي، هم يدعون للتطرف والموت ونحن نروّج للمحبة والإنفتاح والحوار.. وفي ساحات القتال تتحدث البنادق عنّا، فيما تتحدث ريالات آل سعود والحبوب المخدرة وبيوت المجون والعربدة عنهم. إلى الحق ماضون.. المعركة مستمرّة والطريق طويل.. وأضرحة البقيع ستعود أجمل مما كانت.

لمتابعتنا على وسائل التواصل الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى